
أثار دونالد ترمب بلبلة كبيرة عندما قرَّر، قبل نحو أسبوع، أن الوقت حان لفرض رسوم على كل فيلم أميركي أو غير أميركي يُصوّر ويُنتج، كاملاً أو جزئياً، خارج الولايات المتحدة الأميركية.
كتب على موقع «Truth Social» أنه بصدد إصدار أمر بفرض تعرفة جمركية قدرها مائة في المائة على كل فيلم يصل إلى الشاشات الأميركية من الخارج. لماذا؟ قرّر أن السينما الأميركية «تموت» («وتموت سريعاً» كما كتب) و«نريد الأفلام أن تُصنع في الولايات المتحدة مرة أخرى».
القرار ليس اعتباطياً، لكنه ليس صحيحاً أيضاً. أو بالأحرى، يضرُّ بقدر ما ينفع. في كلمة مختصرة: قرار يصعب تطبيقه من دون أن يرتدَّ سلباً على من يُطبِّقه.
الأمثلة واضحة وأقربها إلينا فيلم (Mission: Impossible – The Final Reckoning) «مهمة: مستحيلة – الحساب الأخير 2» الذي سيُعرض في مدار الأسبوع المقبل بمهرجان «كان» السينمائي الدولي.
صُوِّر هذا الفيلم في 15 دولة من بينها جنوب أفريقيا، والنرويج، وبريطانيا. بدوره، انتقل فريق العمل إلى فيلم (Fantastic Four: First Steps) «الرائعون الأربعة: الخطوات الأولى» الذي سيُعرض في 25 يوليو (تموز) في بريطانيا وإسبانيا ومدينة نيويورك. وفي الثاني من الشهر المذكور ستنطلق عروض (Jurassic World Rebirth) «جوراسيك وورلد: إعادة ولادة». هذا يتبع سلسلة معروفة يُنتجها ستيفن سبيلبرغ كلَّما شعر أن الوقت حان لإنجاز فيلم يعود إليه بنجاح مادي كبير. صُوِّر الفيلم في مالطا وبريطانيا وتايلاند. مثل سواه، ما صُوّر داخل الولايات المتحدة لا يتجاوز 30 في المائة من مدة عرض الفيلم الذي تزيد عن الساعتين بقليل.
إغراءات مادية
هناك أسباب عدّة تدفع هوليوود إلى التصوير خارج البلاد. نسبة الأفلام التي تُقدّم على ذلك لا تتجاوز ربع ما يُنتج فيها. غالبية الأفلام المنتجة لا تتطلب التصوير الخارجي وليس لديها من الميزانيات ما يسمح لها بذلك. لكن هذا الربع المصنوع خارج الولايات المتحدة هو من تلك الأفلام الكبيرة، أي تلك التي تحتوي على الفانتازيا، والبطولات الخارقة، والحكايات التي لا بد لها أن تقع خارج أميركا والمناظر الخلابة أو (على الأقل) التي تستدعي الانتباه.
سبب آخر للتوجه إلى آسيا وأوروبا للتصوير فيهما يكمن في المُغريات المادية. معظم الدول الغربية والآسيوية حالياً، تُؤمِّن حوافز مالية تتراوح ما بين 20 و42 في المائة، مما يغطي نفقات السفر والإقامة بالنسبة للشركات الأميركية.
لقد بات من غير المقبول كذلك صنع فيلم مثل «المهمّة: مستحيلة» بالتقوقع محلياً. مما يشكل لهذه السلسلة ميزاتها ومعالمها هو انتقال حكاياتها (وبالتالي ضروريات تصويرها) ما بين عواصم ومدن غير أميركية. هذا كان ميزة المسلسل منذ أن أُنتج تلفزيونياً في الستينات. صحيح أن حكاياته كانت تُصوَّر كلها في استوديوهات هوليوود، غير أن القصص كانت غالباً ما تحتوي على مواقع دولية. عندما انتقل المسلسل من البيت التلفزيوني المحدود إلى الشاشة الكبيرة سنة 1996 تم تجاوز المعيقات المادية والانتقال إلى كل ما يأتي السيناريو على ذكره من عواصم ومدن: دبي، وموسكو، وباريس، وأثينا، ولندن، وغيرها
فكرة وطنية
قوبلت فكرة ترمب، التي لم تدخل حيِّز التنفيذ بعد، بردود فعل سلبية. فقد أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى تراجع في أسهم شركات مثل «والت ديزني»، وهي من أكثر الاستوديوهات الأميركية اعتماداً على التصوير خارج البلاد، بالإضافة إلى «وورنر» و«نتفليكس»، مما يعكس حالة من القلق بين المستثمرين والمتعاملين مع هذه الشركات.
في المقابل، جاءت ردود الفعل خارج الولايات المتحدة رافضة للقرار. فقد أعربت دول مثل نيوزيلندا، (هل يمكن لسلسلة «سيد الخواتم» أن تجد مواقع تصوير أفضل؟)، وأستراليا، وبريطانيا عن معارضتها للمقترح، مؤكدة دعمها الكامل لاستمرار تصوير الأفلام الأميركية على أراضيها.
هذا طبيعي لأن الإنتاجات الأميركية داخل الدول الآسيوية والأوروبية تمثل انتعاشاً كبيراً لليد العاملة في تلك البلدان، وهي عنوان جذبٍ لتلك البلدان. هذا بالطبع من دون أن نضيف أن اسم الدولة التي تم التصوير فيها يتحوَّل، حين ظهوره على الشاشة مصحوباً بالمناظر الطبيعية لمدنها أو لريفها، إلى نقطة جذب سياحي.
على أن ما سبق يجب ألَّا يُلغي حقيقة أن وراء هذه الخطوة تكمن إيجابية مهمة توازن الجانب السلبي لها. خلال السنوات الثلاث الأخيرة، تراجع عدد العاملين في السينما الأميركية دون مستوى المدراء والفنانين وأصحاب المهن الرئيسية على نحو ملحوظ. حسب «إنترناشيونال ألايانس أوف ثيتريكال ستايج»، وجد 1800 شخص أنفسهم بلا عمل. هذا متصل بانحدار نسبة الأفلام التي تُصوّر إلى 22 في المائة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، مقارنة مع الفترة نفسها في العام الماضي. هذا ليس فقط بسبب هجرة السينما الأميركية إلى خارج الوطن، بل – وعلى قدر مساوٍ في الأهمية – بسبب تفضيل صانعي الأفلام التصوير في ولايات أميركية أخرى أرخص تكلفة.
إيجازاً، هي فكرة وطنية بلا ريب لكنها تقف على خيط رفيع بين النجاح والفشل.