«حكايات من ذاكرة المكان»… قرية أردنية تختزن الوطن والهوية. صدر عن «الآن ناشرون وموزعون» الأردن (2025) كتاب «حكايات من ذاكرة المكان» للدكتور بكري العزام بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، يقع الكتاب في 318 صفحة، وقدمت له الدكتورة خلود العموش بقولها: «رأينا الدكتور بكري العزام أديباً عاشقاً، ينظر إلى زمن قريته الجميل، وحكايا شخوصها، وأقاصيصهم، وعثراتهم، وإنجازاتهم، وإخفاقاتهم، ونجاحاتهم، ولطفهم، وإنسانيتهم، وضعفهم المشروع كبشر، وقوّتهم التي يستمدّونها من روح الأخوّة والتكافل والوحدة في نموذج القرية الجميل». هذا التقديم يلخّص جوهر التجربة: القرية باعتبار أنها مكان حاضن للكرامة والدفء والتكافل، والمكان الذي يُنتج الأخلاق، والانتماء.
والكتاب عمل سردي يستعيد من خلاله الكاتب تفاصيل قريته الواقعة في شمال محافظة إربد، حيث يعيد تشكيل صورة الطفولة، والأسرة، والمجتمع، والطبيعة. وهو يضم 158 فصلاً قصيراً بعناوين مختلفة.
المكان في هذا العمل ليس مجرد مسرح للأحداث، بل هو، كما يقول الناشر، «الروح التي تسري في النصوص، تفتح للقارئ أبواب الحنين، وتدعوه إلى اكتشاف القرية باعتبار أنها كيان نابض بالأصالة، عامر بالتفاصيل الحية التي تُعطي للمكان طعمه، ورائحته، ونبضه الخاص. يستحضر العزام شوارع قريته، وحقولها، وسهولها، ومجالسها الشعبية، وأصوات المؤذنين، ووقع الخطى على تراب الأزقة، وصوت المطر وهو يلامس سقوف البيوت الطينية القديمة».
ما يميّز هذا العمل كذلك هو استخدام الكاتب للألفاظ العامية، والاصطلاحات المحلية المرتبطة بالمجتمع القروي والزراعي، لا سيّما تلك المتعلقة بالزراعة وتربية المواشي (الغنم والبقر)، فقد استخدم مصطلحاتٍ مثل «البيادر» و«المزاطين» و«الدّوّاج» و«الطفخة» و«يبجبج» و«التَّصميخ»، وغيرها من المفردات التي قد تبدو غريبة على الجيل المعاصر، غير أن الكاتب حرص على تفسيرها، وشرحها ضمن سياقها السردي.
كما يركز الكتاب على التفاصيل الحياتية الصغيرة: فطور الأسرة، ركض الأطفال في الحارات، سوق إربد، مواسم الحصاد، طقوس الأفراح، وحكايات الجدّات، والعمل في الحقول، وبسطات الباعة، والعلاقات بين الجيران، وتربية الأولاد، والعقوبات، والأفراح والأحزان التي تتشاركها القرية على أنها جسد واحد، وباعتبارها تشكل «ذاكرة جمعية عابرة للفرد تُجسّد هوية جماعية يُحتفى بها». ورغم الطابع الذاتي للتجربة، فإن الكاتب ينجح في تقديم قريته على أنها نموذج لمجتمعات عربية كثيرة تتشارك في القيم والعادات والروح.
وبذلك، منح الكاتب لمكانه الأول «القرية» خصوصية رمزية، فجعل منه الحاضن القيمي والثقافي والتاريخي للإنسان، وفي الوقت ذاته حرص على إبراز بعده الواقعي اليومي. إنه يستحضر المكان «لا بوصفه جماداً، بل ككائن حيّ، ينبض بالمحبة والكرم والبساطة. إنه يؤنسن الأمكنة، ويجعل من شجرة التين، وبئر الماء، والبرندة، والبيت القديم، شخصيات فاعلة في الحكاية.
المكان هنا ليس مشهداً خلفيّاً، بل هو الحاضر الأكبر، هو البيت الأول والملجأ الأخير، وهو الكنز الذي نحمله في الذاكرة كلما ابتعدنا عن الجذور، في زمن تتآكل فيه الهويّات أمام طوفان التكنولوجيا والمدن الأسمنتية، فكل بيت صغير، وكل طريق ترابي، وكل حكاية عائلية تشكّل جزءاً من كينونتنا».
عمّان: «الشرق الأوسط»
صدر عن «الآن ناشرون وموزعون» الأردن (2025) كتاب «حكايات من ذاكرة المكان» للدكتور بكري العزام بدعم من وزارة الثقافة الأردنية، يقع الكتاب في 318 صفحة، وقدمت له الدكتورة خلود العموش بقولها: «رأينا الدكتور بكري العزام أديباً عاشقاً، ينظر إلى زمن قريته الجميل، وحكايا شخوصها، وأقاصيصهم، وعثراتهم، وإنجازاتهم، وإخفاقاتهم، ونجاحاتهم، ولطفهم، وإنسانيتهم، وضعفهم المشروع كبشر، وقوّتهم التي يستمدّونها من روح الأخوّة والتكافل والوحدة في نموذج القرية الجميل». هذا التقديم يلخّص جوهر التجربة: القرية باعتبار أنها مكان حاضن للكرامة والدفء والتكافل، والمكان الذي يُنتج الأخلاق، والانتماء.
والكتاب عمل سردي يستعيد من خلاله الكاتب تفاصيل قريته الواقعة في شمال محافظة إربد، حيث يعيد تشكيل صورة الطفولة، والأسرة، والمجتمع، والطبيعة. وهو يضم 158 فصلاً قصيراً بعناوين مختلفة.
المكان في هذا العمل ليس مجرد مسرح للأحداث، بل هو، كما يقول الناشر، «الروح التي تسري في النصوص، تفتح للقارئ أبواب الحنين، وتدعوه إلى اكتشاف القرية باعتبار أنها كيان نابض بالأصالة، عامر بالتفاصيل الحية التي تُعطي للمكان طعمه، ورائحته، ونبضه الخاص. يستحضر العزام شوارع قريته، وحقولها، وسهولها، ومجالسها الشعبية، وأصوات المؤذنين، ووقع الخطى على تراب الأزقة، وصوت المطر وهو يلامس سقوف البيوت الطينية القديمة».
ما يميّز هذا العمل كذلك هو استخدام الكاتب للألفاظ العامية، والاصطلاحات المحلية المرتبطة بالمجتمع القروي والزراعي، لا سيّما تلك المتعلقة بالزراعة وتربية المواشي (الغنم والبقر)، فقد استخدم مصطلحاتٍ مثل «البيادر» و«المزاطين» و«الدّوّاج» و«الطفخة» و«يبجبج» و«التَّصميخ»، وغيرها من المفردات التي قد تبدو غريبة على الجيل المعاصر، غير أن الكاتب حرص على تفسيرها، وشرحها ضمن سياقها السردي.
كما يركز الكتاب على التفاصيل الحياتية الصغيرة: فطور الأسرة، ركض الأطفال في الحارات، سوق إربد، مواسم الحصاد، طقوس الأفراح، وحكايات الجدّات، والعمل في الحقول، وبسطات الباعة، والعلاقات بين الجيران، وتربية الأولاد، والعقوبات، والأفراح والأحزان التي تتشاركها القرية على أنها جسد واحد، وباعتبارها تشكل «ذاكرة جمعية عابرة للفرد تُجسّد هوية جماعية يُحتفى بها». ورغم الطابع الذاتي للتجربة، فإن الكاتب ينجح في تقديم قريته على أنها نموذج لمجتمعات عربية كثيرة تتشارك في القيم والعادات والروح.
وبذلك، منح الكاتب لمكانه الأول «القرية» خصوصية رمزية، فجعل منه الحاضن القيمي والثقافي والتاريخي للإنسان، وفي الوقت ذاته حرص على إبراز بعده الواقعي اليومي. إنه يستحضر المكان «لا بوصفه جماداً، بل ككائن حيّ، ينبض بالمحبة والكرم والبساطة. إنه يؤنسن الأمكنة، ويجعل من شجرة التين، وبئر الماء، والبرندة، والبيت القديم، شخصيات فاعلة في الحكاية.
المكان هنا ليس مشهداً خلفيّاً، بل هو الحاضر الأكبر، هو البيت الأول والملجأ الأخير، وهو الكنز الذي نحمله في الذاكرة كلما ابتعدنا عن الجذور، في زمن تتآكل فيه الهويّات أمام طوفان التكنولوجيا والمدن الأسمنتية، فكل بيت صغير، وكل طريق ترابي، وكل حكاية عائلية تشكّل جزءاً من كينونتنا».