مصر: اكتشاف مقابر منحوتة بجبال أسوان
تعود للعصرين اليوناني والروماني وتفتح آفاقاً لفهم المجتمع في تلك الفترة

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن اكتشاف مجموعة من المقابر المنحوتة في الصخر بأسوان (جنوب مصر)، قالت إنها «تلقي الضوء على طبيعة المجتمع خلال العصرين اليوناني والروماني».
جاء الاكتشاف خلال أعمال الحفائر التي تنفذها البعثة الأثرية المصرية – الإيطالية المشتركة بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة ميلانو في الجبانة المحيطة بمنطقة ضريح الأغا خان في البر الغربي لأسوان، حسب بيان صحافي، السبت، أشار إلى أن المقابر المكتشفة «تحتوي على نقوش هيروغليفية بحالة جيدة».
وعَدّ شريف فتحي، وزير السياحة والآثار المصري، الكشف «إضافة نوعية لأسوان، تعكس تنوع الحضارة المصرية القديمة وثراءها عبر العصور». وقال إن «الكشف يؤكد أهمية التعاون العلمي الدولي»، لافتاً إلى أن «المقابر المُكتشفة تفتح آفاقاً جديدة لفهم طبيعة المجتمع المحلي في أسوان خلال العصرين البطلمي والروماني، وتُبرز المكانة التاريخية للمنطقة بصفتها من المراكز الحضارية المهمة في جنوب مصر»، وفق البيان.
من جانبه، وصف عالم المصريات، الدكتور حسين عبد البصير، الكشف بأنه «إضافة نوعية وقيمة حقيقية إلى خريطة الآثار المصرية في الجنوب، لا سيما مع ما يحمله من أبعاد علمية وتاريخية تُعزز فهم الفترات المتأخرة من الحضارة المصرية».
وقال عبد البصير لـ«الشرق الأوسط» إن «اكتشاف مقابر منحوتة في الصخر، تحتوي على نقوش هيروغليفية بحالة جيدة من الحفظ، هو أمر استثنائي يدل على استمرار استخدام اللغة والرموز المصرية القديمة، حتى في ظل التأثيرات الأجنبية، ما يؤكد عمق الهوية المصرية وتجذرها، رغم كل التحولات التاريخية».
وعثرت البعثة خلال أعمال الحفائر على المقبرة رقم «38»، وهي «واحدة من أبرز المقابر المكتشفة حتى الآن من حيث التصميم والحالة الإنشائية؛ حيث تقع على عمق يزيد على مترين تحت الأرض، ويؤدي إليها سلم حجري مكون من 9 درجات محاطة بمصاطب من الطوب اللبن، كانت تُستخدم لوضع القرابين الجنائزية».
وأوضح الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أن «الكشف يعدّ دليلاً واضحاً على استمرار الاستخدام الجنائزي للمنطقة من قبل مختلف الطبقات الاجتماعية، بداية من النخبة التي دُفنت في المقابر العلوية على الهضبة، وصولاً إلى الطبقة المتوسطة التي استقرت في سفوح الجبانة».
وقال، في البيان، إن «النقوش واللقى المكتشفة ستوفر مادة علمية غنية للباحثين في مجال علم المصريات، لا سيما ما يتعلق بالتقاليد الجنائزية والرمزية الدينية خلال الفترات المتأخرة من الحضارة المصرية»، مشيراً إلى أن «المومياوات المكتشفة داخل هذه المقابر، التي تشمل عدداً من الأطفال، سيتم إخضاعها لفحوصات بالأشعة المقطعية والتحاليل البيولوجية خلال موسم الخريف المقبل، ما سيُسهم في فهم أدق لهوية هؤلاء الأفراد، وظروف حياتهم وأسباب وفاتهم».
وداخل المقبرة رقم «38»، عُثر على تابوت من الحجر الجيري يبلغ ارتفاعه نحو مترين، موضوع فوق منصة صخرية نُحتت مباشرة في الجبل، وكان غطاء التابوت على هيئة آدمية يحمل ملامح واضحة لوجه إنسان يرتدي شعراً مستعاراً، وتظهر على الغطاء نقوش وزخارف، إضافة إلى عمودين من النصوص الهيروغليفية سجلت عليها أدعية للآلهة المحلية بمنطقة أسوان، واسم صاحب المقبرة «كا-مِسيو»، وهو أحد كبار المسؤولين في ذلك العصر، إلى جانب أسماء أفراد من أسرته. كما تم العثور على مومياوات بعضها لأطفال داخل المقبرة.
وأوضح عبد البصير أن «مقبرة (كا-مِسيو) -ذلك المسؤول البارز في عصره- توضح أهمية الأفراد الذين تقلّدوا مناصب رفيعة في تلك المرحلة التاريخية»، مشيراً إلى أن «وجود المومياوات، ومنها ما يعود لأطفال، يفتح باباً واسعاً لفهم البنية الاجتماعية والطبقية والطقوس الجنائزية المتبعة حينها».
وقال: «تؤكد أسوان، مرة أخرى، أنها لا تزال تنبض بالحياة التاريخية، وتُقدم للعالم شواهد جديدة على عظمة مصر القديمة واستمرارية تأثيرها في عمق الزمان».
بدوره، أشار محمد عبد البديع، رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار، إلى «وجود مقابر ضخمة تحت الأرض تعود للعصر البطلمي، خُصصت لعائلات النخبة الثرية، وقد أُعيد استخدامها خلال العصر الروماني»، وفق البيان.
وتعمل البعثة الأثرية المصرية – الإيطالية في هذا الموقع منذ عام 2019، وكشفت في مواسم سابقة عن عدد من المصاطب الجنائزية والمقابر المنحوتة في صخور جبال سيدي عثمان بالمنطقة، التي تكشف عن «نمط معماري متميز يعكس تفاعل الإنسان مع التضاريس الطبيعية للموقع».
وأعلنت وزارة السياحة والآثار في يونيو (حزيران) 2024 عن اكتشاف عدد من المقابر العائلية غير المعروفة سابقاً، تعود إلى العصور المتأخرة واليونانية الرومانية، وذلك خلال أعمال البعثة الأثرية المصرية الإيطالية المشتركة في محيط ضريح الأغا خان غرب أسوان.
وبداية العام الحالي، وضعت مجلة علم الآثار الأميركية «Archaeology Magazine»، جبَّانة أسوان الأثرية المكتشفة بمحيط ضريح الأغا خان ضمن أهم 10 اكتشافات أثرية على مستوى العالم خلال عام 2024، وعدّتها «إضافة تاريخية مهمة لمنطقة آثار أسوان، كما يُمثل الاكتشاف خطوة مهمة نحو تعظيم الفهم والمعرفة بالحضارة المصرية القديمة خلال تلك الفترات».
و«تمتد الجبَّانة الأثرية على مساحة 25 فداناً، وتضم أكثر من 400 مقبرة تحتوي على رفات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، وتعود إلى الفترة ما بين القرن الثاني قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي، بالإضافة إلى العثور على كثير من اللقى والقطع الأثرية الفريدة، مثل التماثيل الصغيرة والكرتوناج الملون بألوان زاهية، وطبقات من الجص والكتان تستخدم للف المومياوات»، وفق المجلة الأميركية.
- القاهرة