الصين تستعد لطفرة ذكاء اصطناعي تتجاوز 100 مشروع جديد كـ«ديب سيك»
قفزة تكنولوجية رغم القيود الأميركية

يبدو أن الصين تقترب من لحظة مفصلية في مشهد الذكاء الاصطناعي؛ إذ يُتوقع أن تشهد إطلاق أكثر من 100 مشروع مماثل لنموذج «ديب سيك» (DeepSeek) الذي حاز اهتماماً واسعاً، العام الماضي، وفقاً لما صرّح به «تشو مين»، النائب السابق لمحافظ بنك الشعب الصيني.
وفي كلمته خلال المنتدى الاقتصادي العالمي في مدينة تيانجين، أشار تشو، الذي شغل أيضاً منصب نائب المدير العام لصندوق النقد الدولي سابقاً، إلى أن هذه الطفرة المرتقبة في الذكاء الاصطناعي «ستُغيّر جذرياً الطابع التقني والاقتصادي للاقتصاد الصيني». وفسّر ذلك بوجود ثلاثة عوامل رئيسية تدفع هذه الموجة وهي: وفرة الكفاءات الهندسية في البلاد، وضخامة السوق الاستهلاكية، والدعم الحكومي القوي».
تنافس عالمي أمام تقنية متصاعدة
يأتي صعود الصين في مجال الذكاء الاصطناعي في وقت حساس تشهد فيه علاقاتها مع الولايات المتحدة توتراً متزايداً، خاصة في مجالات الرقائق المتقدمة والتقنيات الذكية. فقد فرضت واشنطن قيوداً على تصدير الرقائق عالية الأداء إلى الصين، وخاصة من شركات مثل «إنفيديا» بذريعة مخاوف تتعلق بالأمن القومي.
ومع ذلك، لا يبدو أن بكين تتراجع، بل على العكس، تواصل استثماراتها الكبيرة في تطوير صناعة أشباه الموصلات محلياً عبر شركات مثل «هواوي» بهدف تقليل الاعتماد على التكنولوجيا الأميركية. ويؤكد تشو أن هذا النهج المحلي الممزوج بالسياسات التكنولوجية المدروسة يمكن أن يعوض القيود الخارجية، بل يقود إلى طفرة في تطوير النماذج الذكية.
منظومة ذكاء اصطناعي متكاملة
كان نموذج «ديب سيك» ( DeepSeek) الذي أطلق في يناير (كانون الثاني) عام 2024 بمثابة الإشارة الأولى لموجة مقبلة من الابتكارات. ويتوقع تشو أن نشهد خلال الـ12 إلى الـ18 شهراً المقبلة ظهور العديد من النماذج المماثلة، مما يدل على نضج بيئة الذكاء الاصطناعي في الصين، بدعم من قاعدة فنية ضخمة وسوق محلي واسع. وبحسب تقديرات «بلومبرغ»، فقد ساهمت الصناعات التكنولوجية المتقدمة بنسبة 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للصين في عام 2024، مقارنة بـ14 في المائة في العام السابق، مع توقعات بأن تتجاوز 18 في المائة بحلول 2026. وهو ما يعكس الزخم الاقتصادي الأوسع الذي تولده تقنيات الذكاء الاصطناعي.
سياسات تُركّز على الابتكار المحلي
أوضح تشو أن الصين تركز بشكل متزايد على ما يُعرف بـ«نموذج الدوران المزدوج»، والذي يهدف إلى تنمية الطلب الداخلي إلى جانب تعزيز الصادرات، في ظل حالة عدم اليقين في التجارة العالمية. ورغم تأثير القيود التجارية على بعض القطاعات، أظهرت بيانات مايو (أيار) نمواً مفاجئاً في مبيعات التجزئة داخل الصين، ما يشير إلى وجود قوة استهلاكية محلية قادرة على دعم التحول التكنولوجي. ومع ذلك، شدد تشو على أهمية الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، خاصة مع دخول السياسات الجمركية الأميركية حيز التنفيذ، وتأثيرها المحتمل على معدلات التضخم.
رغم التوترات الخارجية، شهدت الأسهم التكنولوجية الصينية انتعاشاً ملحوظاً بعد بروز «ديب سيك»، ما عزّز ثقة المستثمرين. وبحسب «بلومبرغ»، ساهمت مبيعات التجزئة والإنفاق الحكومي على البنية التحتية في تجاوز النمو الاقتصادي حاجز 5 في المائة في الربع الأول من العام، رغم أنه لا يزال أقل من الهدف الرسمي البالغ 5.5 في المائة. لكن المحللين يحذرون من أن استمرار التوترات التجارية العالمية، وخاصة السياسات الجمركية الأميركية، قد يُقيد قدرة الصين على تحقيق نمو خارجي مستدام.
تعكس توقعات تشو مين قناعة عميقة بأن الصين على وشك إطلاق موجة غير مسبوقة من الابتكارات الذكية التي ستعيد تشكيل قطاعات كاملة من الاقتصاد. سواء أكان ذلك مدفوعاً بالكفاءات الوطنية أو بالدعم الحكومي أو بالطموح التجاري، فإن هذه الطفرة المرتقبة قد تضع الصين في طليعة سباق الذكاء الاصطناعي العالمي.
- لندن