ثقافة

«هيئة الكتاب» تستعيد مسرحيتين من تراث سعد الدين وهبة

ضمن إصدارات سلسلة «أدباء القرن العشرين»، التي تهدف إلى إعادة إحياء تراث كبار المبدعين المصريين، وتعريف الأجيال الجديدة بإبداعاتهم المؤثرة، أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب إصدار مسرحيتين للكاتب الراحل سعد الدين وهبة، أحد رواد المسرح المصري والعربي، وتمثل أعماله جسراً بين الفن والفكر، وتمزج بين الهمّ السياسي والاجتماعي والطرح الدرامي.

المسرحية الأولى «المسامير» تدمج بين التوثيق التاريخي والرؤية الفنية، واستلهم الراحل أحداثها مباشرة من وقائع ثورة 1919، تحديداً القمع الهمجي الذي مارسته سلطات الاحتلال البريطاني ضد الفلاحين المصريين في كفر الشيخ ونزلة الشوبك بوسط دلتا مصر، الذين شاركوا بفاعلية في تلك الثورة الشعبية. وتصور الإجراءات القمعية لقوات الاحتلال البريطاني لإخماد روح الثورة، ففي كفر الشيخ، نهب الجنود المدينة، واستولوا على المؤن والمأكولات، وفرضوا ضريبة تعسفية، فضلاً عن الجلد اليومي لعدد من سكان المدينة والقرى المجاورة. وقد بلغ القمع ذروته في نزلة الشوبك، حيث تم القبض على عدد من الأهالي، ودُفنوا حتى منتصف أجسادهم في الأرض، قبل محاكمتهم صورياً وإعدامهم رمياً بالرصاص.

إضافة إلى سرد الوقائع التاريخية، تبرز «المسامير» الصراع الأبدي بين الشعوب المضطهدة وقوى الاستعمار والطغيان، وتتميز بأنها لا تقدم سرداً مثالياً أو انفعالياً للأحداث، بل تقدم نسيجاً درامياً موضوعياً يفرق بين الشخصيات والوقائع وفقاً لمواقعها الاجتماعية والطبقية، ما يمنح النص عمقاً واقعياً وإنسانياً في آنٍ واحد.

المسرحية الثانية التي أصدرتها الهيئة في هذ الإطار هي «كوابيس في الكواليس»، التي سبق عرضها على المسرح القومي في مايو (أيار) 1967، إخراج كرم مطاوع، وتمثيل كل من شفيق نور الدين، عبد الرحمن أبو زهرة، عبد السلام محمد، توفيق الدقن، عباس فارس، رجاء حسين، عبد المنعم إبراهيم. وفيها يعمد وهبة إلى كسر الجدار الرابع، فيقدم نفسه داخل النص بوصفه مؤلفاً وممثلاً في الوقت ذاته، لخلق تداخل متعمد بين الواقع والخيال، بين المؤلف الحقيقي والمؤلف المسرحي، وبين الكواليس وما يُعرض على الخشبة. ويُشرك الجمهور في اللعبة المسرحية، ويجعلهم طرفاً في الحدث وليس مجرد متفرجين.

وتعكس «كوابيس في الكواليس» قدرة وهبة على اللعب بين الجدية والهزل، طارحاً أسئلة عميقة حول الإبداع، والرقابة، وتقدير الفن في المجتمع. وتتكون من ثلاثة فصول: الأول يعرض كواليس كتابة النص المسرحي، والثاني يتناول مرحلة تنفيذ العرض على خشبة المسرح، والثالث يناقش كيفية تلقي الجمهور والنقاد للعمل المسرحي والحكم على نجاح المؤلف من عدمه. ويعد هذا البناء جزءاً من فكرة أوسع أراد بها المؤلف تقديم ما يشبه «السيرة الذاتية الكوميدية»، إذ يسخر من كل عناصر العملية المسرحية، ويتجاوز ذلك إلى الصحافة والنقد أيضاً، ما يعد توثيقاً ساخراً لمعاناة الفنان وسط منظومة متشابكة من الأدوار والتوقعات.

Loading

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Show Buttons
Hide Buttons
Translate »