رياضه

«بي بي سي» تعلن رحيل غاري لينيكر بعد 25 عاماً من التقديم الرياضي

نهاية مشوار أسطوري تحت وطأة الجدل

أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» رسمياً، الاثنين، أن غاري لينيكر، الوجه الأبرز في تغطيتها الكروية لعقود، سيغادر المؤسسة بشكل مبكر، بعد جدل حاد أثاره منشور على وسائل التواصل الاجتماعي اعتُبر مسيئاً. وأكدت «بي بي سي» أن لينيكر لن يواصل تقديم تغطية كأس العالم 2026 أو مباريات كأس الاتحاد الإنجليزي الموسم المقبل كما كان مخططاً، وأن ظهوره الأخير سيكون في الحلقة الختامية من برنامج «ماتش أوف ذا داي» يوم الأحد المقبل، ليطوي بذلك صفحة استمرت لأكثر من ربع قرن.

وجاء في بيان رسمي للشبكة: «غاري لينيكر سيغادر منصبه التقديمي بعد ختام برنامج (ماتش أوف ذا داي) لهذا الموسم. لن يكون جزءاً من تغطية كأس العالم 2026 ولا مباريات كأس الاتحاد الإنجليزي في الموسم المقبل».

منشور مثير للجدل يقلب الموازين

وحسب شبكة «بي بي سي» فإن القرار جاء عقب عاصفة من الانتقادات طالت لينيكر بعد أن أعاد نشر مقطع فيديو على حسابه في «إنستغرام» ينتقد الصهيونية، وتضمّن رسماً لفأر، وهو رمز ارتبط تاريخياً بالدعاية النازية ضد اليهود. وعلى الرغم من حذف المنشور لاحقاً وتقديمه اعتذاراً رسمياً، فإن الضرر كان قد وقع.

وقال لينيكر في بيان توضيحي: «كرة القدم كانت في قلب حياتي، سواء كلاعب أو مقدم. أعتز كثيراً بما قدمته مع (بي بي سي) عبر هذه السنوات. وكما قلت، لم أكن لأعيد نشر أي محتوى يحمل دلالات معادية للسامية عن قصد، فهذا يتعارض تماماً مع كل ما أؤمن به. ومع ذلك، أقرّ بالخطأ والانزعاج الذي تسببت فيه، وأكرر مدى أسفي العميق. التنحي الآن هو التصرف المسؤول».

تيم ديفي: «لينيكر اعترف بخطئه… ونشكره على سنواته»

من جانبه، قال المدير العام لـ«بي بي سي»، تيم ديفي، في بيان رسمي: «غاري اعترف بالخطأ الذي ارتكبه. وبناءً عليه، اتفقنا على أن يتنحى عن التقديم بعد نهاية الموسم. لقد كان صوتاً محورياً في تغطية كرة القدم لدى المؤسسة. شغفه ومعرفته شكّلا جزءاً رئيسياً من صحافتنا الرياضية، وكسبا احترام الجماهير في المملكة المتحدة وخارجها. نودّ أن نشكره على كل ما قدّمه».

وفي تصريحات أخرى أدلى بها ديفي خلال مناسبة عامة في سالفورد، قال: «سمعة (بي بي سي) مسؤولية يشترك فيها الجميع، وعندما يخطئ أحدهم، فإن المؤسسة كلها تتأثر. نحتاج إلى أن يمثل موظفونا قيمنا، وأن يلتزموا بسياسة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. الأمر بسيط».

سلسلة أزمات سابقة مهّدت للنهاية

رحيل لينيكر لا يأتي بمعزل عن سياق سابق من التوترات بينه وبين المؤسسة. ففي مارس (آذار) 2023، تم وقفه مؤقتاً بعد أن شبّه، في تغريدة، خطاب الحكومة البريطانية (بشأن طالبي اللجوء) بخطاب ألمانيا النازية في الثلاثينات، وهو ما عُدَّ انتهاكاً لمبدأ الحياد السياسي. حينها اندلعت أزمة حادة دفعت «بي بي سي» إلى مراجعة وإعادة صياغة سياستها الداخلية بشأن استخدام المقدمين وسائل التواصل.

وفي وقت لاحق، أبدى لينيكر مواقف علنية تنتقد أداء الإدارة الرياضية للمؤسسة، لا سيما حين قال في مقابلة مع صحيفة «التليغراف» البريطانية إن رئيس القسم الرياضي الجديد، أليكس كاي-جيلسكي، «يفتقر إلى الخبرة التلفزيونية»، وحثّه على عدم تغيير تركيبة «ماتش أوف ذا داي».

هذه التصريحات زادت من حدة التوتر.

كما شارك لينيكر في فبراير (شباط) الماضي، إلى جانب 500 شخصية ثقافية عامة، في بيان طالب «بي بي سي» بإعادة بث فيلم وثائقي بعنوان «غزة: كيف تنجو من منطقة حرب»، بعدما أزالت الشبكة الوثائقي من منصتها عقب اكتشاف أن الراوي الطفل هو نجل مسؤول حكومي في إدارة تابعة لـ«حماس».

وفي مقابلة إذاعية مع برنامج «BBC 5 Live»، أشار لينيكر إلى أنه شعر خلال مفاوضاته الأخيرة مع الشبكة بأن «بي بي سي» لم تعد ترغب في استمراره ضمن صفوفها.

مدير الرياضة في «بي بي سي»: «وداع مؤلم… لكن لا مفر منه»

وفي رسالة إلكترونية بعثها إلى موظفي قسم الرياضة، قال أليكس كاي-جيلسكي: «من المؤسف أن نقول وداعاً لشخصية إعلامية لامعة مثل غاري. أعلم أن الأيام الماضية كانت صعبة ومشحونة بالعاطفة، وأشكر الجميع على تفهمهم ودعمهم. دعونا ننهِ الموسم بقوة، ونستمتع بصيف رياضي مذهل، ونتطلع إلى المستقبل بحماس».

إعلاميون وصحافيون: «الراوي تحول إلى قصة»

توالت ردود الفعل من الوسطين الإعلامي والرياضي. وكتب الصحافي الرياضي هنري وينتر: «غاري لينيكر كان مقدماً بارعاً، يتمتع بعمق في التحليل، وهدوء في الطرح، وخفة ظل، كما أنه يعرف كيف يستخرج أفضل ما في ضيوفه. لكنه بات في السنوات الأخيرة مرتبطاً بقضايا غير رياضية، مما ألقى بظلاله على دوره الإعلامي».

وأضاف: «هو بلا شك يملك الحق في التعبير عن رأيه، لكن تلك الآراء أصبحت مصدر تشتيت. وعندما يتحول الراوي إلى موضوع القصة، فعادةً ما تكون النهاية محسومة. من المحزن أن تنتهي الأمور بهذا الشكل».

جمهور منقسم… وصمت لم يكن ممكناً

أثار القرار جدلاً واسعاً على وسائل التواصل الاجتماعي، بين من رأى في مغادرة لينيكر خسارة لصوت إعلامي صادق وحر، ومن اعتبر أن خروجه كان ضرورياً لحماية حيادية مؤسسة عامة تُموَّل من دافعي الضرائب.

وقالت محررة الشؤون الإعلامية في «بي بي سي»، كاتي رازّال، في تغطيتها: «هذه نهاية مؤسفة لمسيرة لينيكر مع الشبكة. من المؤكد أنه كان من أعلى المقدمين أجراً، وأحد أكثرهم شعبية وتأثيراً. لكنه، بلا شك، تسبب في مشكلات متكررة للإدارة، خصوصاً مع تحول حضوره من شخصية محايدة إلى شخصية ذات موقف علني، يصعب على المؤسسة تحمّله».

وأضافت: «في عصر شبكات التواصل، يصعب على الأسماء العامة التزام الصمت. لينيكر لم يستطع التوقف عن التعبير، وفي النهاية، كان الثمن استبعاده».

مستقبل لينيكر بعد «بي بي سي»

رغم خروجه من المشهد الرسمي لـ«بي بي سي»، لا يغادر لينيكر الساحة الإعلامية تماماً. فهو يمتلك ثلث شركة «غولهانْغَر»، المنتجة لعدد من أكثر برامج البودكاست شعبية في المملكة المتحدة، مثل: The Rest is History وThe Rest is Politics. ومن غير المستبعد أن يظهر مجدداً على شاشة أخرى، وربما حتى في تغطية كأس العالم مع جهة إعلامية منافسة.

ولعب المهاجم السابق مع منتخب إنجلترا لمدة ثماني سنوات حتى عام 1992، وكان هدافاً لفرق ليستر سيتي وإيفرتون وبرشلونة وتوتنهام هوتسبير في الثمانينات وأوائل التسعينات.

 

 

Loading

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Show Buttons
Hide Buttons
Translate »