هاري كين: عدم فوزي بأي بطولة كان عبئاً ثقيلاً على كاهلي
المهاجم الإنجليزي الدولي يتحدث عن رحلته الكروية بعد انتظار طويل للفوز بأول ألقابه

بينما كانت عقارب الساعة تقترب من منتصف الليل في ميونيخ، ظهر النجم الإنجليزي الدولي هاري كين في غرفة المقابلات التلفزيونية البسيطة، الخالية من النوافذ، والموجودة أسفل ملعب «أليانز أرينا»، والتي تُمثل تناقضاً صارخاً مع احتفالات بايرن ميونيخ المُبهجة والصاخبة والمُضاءة بالألعاب النارية في الخارج، بعدما حسم العملاق البافاري لقب الدوري الألماني الممتاز للمرة الرابعة والثلاثين في تاريخه. كما كان هناك شيء آخر مختلف في كين هذه المرة -بعيداً عن الميدالية الذهبية التي حصل عليها- حيث اختفت تلك النظرة الطفولية المليئة بالإحباط وخيبة الأمل والتي كانت عادةً ما ترافقه في نهاية البطولات. والآن، ترتسم الابتسامة العريضة على وجهه، ويتسم بالهدوء الشديد، ويقول مبتسماً: «لقد كانت ليلةً طويلة. وهذه مجرد البداية».
شارك كين فرحته، زوجته كاتي، وثلاثة من أبنائه الأربعة، الذين كانوا يحتفلون معه على أرض الملعب بعد فوز بايرن ميونيخ بهدفين دون رد على بوروسيا مونشنغلادباخ، إلى جانب تيم شيروود، المدير الفني الذي منحه أول فرصة للعب في توتنهام، وجون ماكديرموت، المدير الفني الحالي للاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، الذي عمل سابقاً رئيساً لأكاديمية توتنهام للناشئين. وقد سافر كل منهما إلى هناك لقضاء هذه الأمسية. ومن الطبيعي أن يرغب كين في مشاركة هذه اللحظة الاستثنائية مع رفاق رحلته الكروية الطويلة.
في الحقيقة، لا يوجد لاعب في العصر الحديث يضاهي كين في قدراته الكروية ولم يفز بأي شيء. لقد حصد بالطبع الكثير من الجوائز الفردية الاستثنائية، وفاز بالحذاء الذهبي لكأس العالم والدوري الإنجليزي الممتاز، وجائزة هداف الدوري الألماني الممتاز، لكنه لم يفز بأي لقب على مستوى الأندية. لقد تعرض كين لكثير من النكات والسخرية، لأنه خسر المباريات النهائية لكأس الأمم الأوروبية ودوري أبطال أوروبا، وكأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، وكان يتعين عليه أن يقف بشجاعة ليحيِّي الفائزين، بينما يحدق بمرارة في ميدالية المركز الثاني.
أحرز كين 71 هدفاً دولياً مع المنتخب الإنجليزي، وهو رقم قياسي لن يتم تحطيمه قريباً، كما حطم الرقم القياسي لأكبر عدد من الأهداف مع توتنهام والذي كان مسجلاً باسم جيمي غريفز، لكن يبدو أن الدور الأبرز بالنسبة لكين كان يتمثل في «الخاسر الشجاع» الذي يخسر دائماً في المحطة النهائية. لا شك أن فرصه في الحصول على بطولة تحسنت كثيراً عندما انضم إلى أنجح نادٍ في أوروبا الموسم الماضي، وهو الموسم الذي فشل فيه بايرن ميونيخ في الحصول على أي لقب له منذ 12 عاماً! يقول كين: «لكي أكون صادقاً، من الجميل أن أكون في الجانب الآخر الآن، وأن أحتفل بهذا الاحتفال الذي لم أحتفل به من قبل. لقد شاهدتُ فرقاً أخرى ترفع الكؤوس».
وفي الساعة التي سبقت هذه المقابلة، كان كين يُعوض كل ما فاته من قبل ويحتفل عن طريق الركض في ملعب «أليانز أرينا» كتلميذ متحمس، ويُطارد زميله إريك داير في محاولة لإغراقه بكأس ضخمة من النبيذ. أظهر مواطنه سرعةً مذهلةً للهروب منه، على الرغم من أن كين نفسه كان محاضراً بليون غوريتسكا الذي أغرقه بمشروب بافاري، في احتفال تقليدي في هذه الأنحاء. لقد كان هذا هو ما جاء كين من أجله إلى ألمانيا.
يقول كين: «هذا لا يُغيّرني كلاعب. فالفوز بالبطولات لا يجعلني لاعبا مختلفاً عمّا كنت عليه. لكنَّ هذا كان شيئاً مفقوداً في سيرتي الذاتية». يتذكر كين نكتة نجم الغولف الآيرلندي روري ماكلروي التي قال فيها إن الصحافيين لن يجدوا ما يتحدثون عنه بعد أن نجح في الفوز بأول بطولة كبرى له منذ 11 عاماً، من خلال الفوز ببطولة الماسترز الشهر الماضي. يقول كين: «بطريقة ما، الأمر أشبه بذلك بالفعل. لقد كانت هذه واحدة من أفضل البطولات التي شاهدتها على الإطلاق، وكنت متحمساً للغاية لأنني صديق مقرب لجاستن روز، لكنني كنت أتمنى أن يفوز روري، وقد رأيتم المشاعر التي أظهرها».
ويضيف: «لقد كان عبئاً ثقيلاً على كاهلي. فأنا أُدرك تماماً أنني لم أفز ببطولة من قبل، لذلك كنت أضع على نفسي ضغطاً أكبر من أي شخص آخر. وبمرور السنوات، يجعلك هذا تفكر ما إذا كان من الممكن أن تحصل على بطولة حقاً أم لا! لكنك تُواصل المحاولة، وتُواصل دفع نفسك للأمام دائماً، ويحدث بعض الأشياء الجيدة، وهذا بالتأكيد واحد منها. وسنرى ما الذي سيتحدث عنه الناس الآن. أنا متأكد من أنهم سيجدون شيئاً ما، وسأتقبل الأمر بصدر رحب!».
كان كين وداير وزملاؤهما قد شاهدوا على شاشة التلفزيون في نهاية الأسبوع الماضي المباراة التي تعادل فيها غريمهم باير ليفركوزن، وهي النتيجة التي كانت تعني رسمياً حصول بايرن ميونيخ على اللقب. ولم يمضِ وقت طويل حتى بدأ الجميع في ترديد كلمات أغنية «نحن الأبطال» والاحتفال بمزيد من النبيذ البافاري. يقول كين: «بمجرد أن حُسم الأمر رسمياً، بدأت الاحتفالات على الفور، وبدأت أنا وإريك على وجه الخصوص في ترديد الأغاني، وحضر الجميع. لقد كانت هذه ليلة استثنائية، تصرَّف فيها الجميع كما يحلو لهم».
ويوم السبت الماضي، احتفل لاعبو بايرن ميونيخ بهذا الإنجاز أمام جماهيرهم وتسلَّموا الكأس. وبمجرد أن رفع قائدا الفريق، مانويل نوير ومولر، درع الدوري، قدَّماه على الفور إلى كين، الذي انتظر طويلاً من أجل هذه اللحظة التاريخية. ولتحقيق ذلك، رحل كين قبل عامين عن توتنهام، الذي أصبح هو الآخر مثالاً للفشل في الفوز بالبطولات.
يقول كين: «كان رحيلي عن توتنهام قراراً كبيراً. كان بإمكاني بسهولة البقاء في توتنهام، واللعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، ومواصلة تسجيل الأهداف، لكنني أردت أن أخوض تجربة جديدة أدفع نفسي للأمام من خلالها. لقد أردت أن أرى مدى براعتي وأن ألعب في أهم المباريات وكبرى البطولات، وأن أخوض مباريات دوري أبطال أوروبا، وقد فعلت ذلك بالفعل. وعلى الرغم من أننا لم ننجح في المسابقات الأخرى، فإننا لعبنا مباريات كبيرة. وأعتقد أن هذه الليلة هي مجرد بداية لشيء مميز».
وقد أصبحت هذه الليلة استثنائية حقاً بالنسبة إلى كين لأنه تمكن من الاحتفال مع عائلته وأطفاله (باستثناء أصغرهم، هنري، البالغ من العمر 21 شهراً، والذي نام في المنزل بأمان). وقد انضم إليه لويس، البالغ من العمر أربع سنوات، أمام جماهير بايرن ميونيخ المتحمسة، وسدد ركلة جزاء في المرمى الخالي بتشجيع من والده. يقول كين ضاحكاً: «لقد كان خائفاً من الاحتفالات. سيتعين عليه التغلب على ذلك. فهذه هي الذكريات التي تدوم مدى الحياة».
إنَّ تألُّق كين اللافت في كرة القدم الإنجليزية وعدم فوزه بأي بطولة قبل هذا الموسم، جعله أكثر قرباً من قلوب الناس. عندما كان كين في التاسعة عشرة من عمره، أُعير إلى نوريتش سيتي لمدة خمسة أشهر، ولعب خمس مباريات فقط ولم يسجل أي هدف، ولم يصنع سوى تمريرة حاسمة واحدة، وأهدر فرصة سهلة للغاية في أول مباراة له مع الفريق. ونتيجة ذلك، تم تهميشه ونزوله إلى فريق النادي تحت 21 عاماً ولم يُسمح له بتسديد ركلة جزاء حصل عليها الفريق.
تبع ذلك فترة إعارة غير ناجحة أيضاً مع ليستر سيتي، حيث جلس على مقاعد البدلاء إلى جانب جيمي فاردي. كان كين يبقى في الملعب بعد نهاية الحصص التدريبية مع حقيبة من الكرات ويعمل جاهداً على تحسين مهارته في إنهاء الهجمات، بينما كان بعض زملائه في الفريق يسخرون من اجتهاده. يقول كين عن ذلك: «ما زلت أتذكر ما حدث لي في نوريتش سيتي وليستر سيتي. لم أكن ألعب، لكنني كنت أقوم بتدريبات إضافية وأتدرب على إنهاء الهجمات، وكان بعض اللاعبين يضحكون ويقولون إنهم لا يعرفون لماذا أفعل ذلك. كل هذه اللحظات الصغيرة هي التي ساعدتني على الوصول إلى ما أنا عليه الآن. هذه الأشياء التي تفعلها خلف الكواليس، والتي لا يراها أحد، هي التي تُحدث الفارق حقاً».
في ذلك الوقت، صادف كين فيلماً وثائقياً عن لاعب خط الوسط الأميركي الأسطوري توم برادي. يقول كين: «لقد ساعدني ذلك بالتأكيد لأنني رأيت الكثير من أوجه التشابه بيني وبينه. لم يتوقع أحد أن يفعل ما فعله. أعتقد أن الناس يتعاطفون مع قصتي، لأنها تعكس العمل الجاد وعدم الاستسلام أبداً». ولهذا السبب يرغب كين في الترويج لأسبوع التوعية بالصحة النفسية، وهو أيضاً هدف مؤسسة هاري كين الخيرية. يقول النجم الإنجليزي الدولي: «هناك كثير من القضايا التي تحتاج إلى مساعدة، وكثير من المواقف التي كان بإمكاني تقديم الدعم فيها، لكنني أعتقد أن الصحة النفسية أمرٌ كنت أتفهمه إلى حد ما. لم يكن طريقي إلى القمة مفروشاً بالورود، فقد مررت بأوقات عصيبة. بالطبع لم تكن هذه الصعوبة شيئاً يهدد الحياة، لكنني شعرت بأن لديَّ علاقة خاصة بالجيل الأصغر مني. لقد مررت بهذه الرحلة، وأتعلم المزيد والمزيد عن الصحة النفسية، وبالتأكيد سأحاول جاهداً أن أساعد في هذا الأمر قدر استطاعتي عندما أعتزل كرة القدم».
إنه متعاطف إلى حد كبير مع جيل الشباب الذي نشأ في ظل فيروس كورونا وانتشار الهواتف الذكية. ويقول: «الأمر صعب حقاً. أحياناً قد تنجرف بعيداً عن نفسك، خصوصاً في أيامنا هذه في ظل وجود وسائل التواصل الاجتماعي». ومع ذلك، فإن نصيحة كين الرئيسية واضحة إلى حد ما بالنظر إلى قصة حياته، حيث يقول: «لا تستسلم أبداً، فالحياة تمر بمراحل صعود وهبوط، ولا تسير الأمور بشكل مثالي دائماً في عالم الرياضة، وفي الحياة بشكل عام. ستمر بلحظات لا تسير فيها الأمور كما تريد، ويتعين عليك أن تجد الحل داخل نفسك لتتجاوز ذلك».
وبعدما نجح كين في الفوز ببطولة، لن يختفي التشكيك في قدراته من على وسائل التواصل الاجتماعي. يقول كين عن ذلك: «في كرة القدم، سيظل الأمر دائماً: حسناً، لقد فزت بهذا، لكنك لم تفز بذاك. وبالتالي، يتعين عليك أن تواصل العمل حتى تفوز بكل شيء -وليس هناك كثير من اللاعبين الذين فازوا بكل شيء!»، ومهما حدث الآن، ستبقى ليلة التتويج بدرع الدوري في ميونيخ ذكرى استثنائية لا تُنسى بالنسبة إلى هاري كين.
خدمة «الغارديان»