
مشغل الصوت
يشكل الاحتفاء بتفاصيل الحياة اليومية وإبراز التقاليد شديدة الخصوصية للمجتمع القروي في سلطنة عمان، من أبرز ملامح رواية «جبل الشوع» للكاتب زهران القاسمي، التي صدرت طبعة جديدة منها مؤخراً عبر سلسلة «الإبداع العربي» الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.
تتمحور الحبكة الدرامية للنص حول «عبد الله الصربوخ»، الشخصية الرئيسية، الذي ينتهز تقاعده من الخدمة العسكرية ليعيد اكتشاف نفسه والعالم من حوله في رحلة شديدة الدلالة تنفتح على آفاق جغرافية ومعرفية واسعة، وتتخللها محطات متفرقة ما بين البحرين والهند وزنجبار.
يصطحب الرجل معه أربع شخصيات أخرى، منهم والده، حيث تتوازى وتتداخل حكاية كل شخصية مع الأخرى عبر نَفَسٍ سردي يتميز بالحرية والسلاسة في التنقل من حكاية إلى أخرى لتكشف عن أحلام مجهضة وطموحات مطمورة تحت سطح ما يبدو عادياً وبدهياً، مع كشف قد يفاجئ القارئ عن معاناة مادية وحالات من الشح في الموارد الأساسية كالمياه والطعام، فضلاً عن صراعات الأجيال وبحث الجيل الجديد عن فرصة للتحقق من خلال مغادرة القرية والهجرة إلى المدينة.
تمثل «شريفة الشاوية» نموذجاً فريداً للمرأة بين شخصيات الرواية، فهي تعمل في مهنة شاقة محجوزة في المخيلة العربية للرجال، وهى رعي الغنم، بما يتطلبه من صبر وجَلَد وجاهزية ذهنية ونفسية لمواجهة أعتى المخاطر. تتحول «شريفة الشاوية» بغنائها الشجي وأهازيجها المعطرة بالأسى والأحزان إلى تميمة حظ في المكان، وملمح أساسي من ملامح الطبيعة والبشر معاً في تلك البقعة من العالم.
تأتي رواية «جبل الشوع» في سياق المشروع السردي لزهران القاسمي، المتوَّج بالجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» عن «تغريبة القافر»، إذ يشكل المكان المحور الرئيسي في النص بما في ذلك الجبال والصحاري والأودية والآبار وعيون الماء، مع مزج كل ذلك بالتراث الشفاهي واستلهام الأساطير المتوارثة والحكايات الشعبية.
من أجواء الرواية، نقرأ:
«في قمة جبل الشوع، كان الوعل يربض مستريحاً كل ليلة ووجهه يستقبل القرية، الكل يراه هناك، يعرفه الكبار والصغار، يتمنى القناصون الوصول إليه، لكن بنادقهم لا تستطع الوصول إلى قمة الجبل. تبدو القمة خالية طوال النهار، حتى إذا حان وقت غروب الشمس، ظهر الوعل على القمة، تيس الوعل الكبير هذا، يقال بأنه يسكن القمة منذ القدم، يحكي عنه كبار السنّ والذين قبلهم بأنه لم ينزل منها ولم يتركها، لم يتخلف ليلة عن مربضه الذي يشرف منه على عالم القرية والجبال المحيطة.
يقال بأن قناصاً عتيداً صعد إلى القمة، جابها بقعةً بقعةً ولم يجد أثراً لذلك الوعل، وصل إلى مربضه، انتظره حتى غربت الشمس لكن الوعل لم يأتِ، بات ليلته هناك وفي الصباح نزل عن القمة، وعندما وصل إلى الوادي الذي بدا سحيقاً وعميقاً، نظر ناحية القمة فرأى الوعل بقرنيه الكبيرين ينظر ناحيته، أقسم للناس أنه صعد إلى القمة وبات هناك، لكنّ الجميع لم يصدقوه، ففي ذلك المساء، في ذات الوقت، عندما كان القناص يقف ناظراً إلى القرية، أخبره بعضهم بأنهم شاهدوا الوعل واقفاً هناك وسمعوا دحرجات الحجارة قادمة من القمة، كانت الحجارة تتساقط متتالية حتى تصل إلى الوادي».
- القاهرة: «الشرق الأوسط»